فصل: تفسير الآيات (198- 202):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (190- 192):

{فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)}
{فلما آتاهما صالحاً} ولداً سويّاً {جعلا له} لله {شركاء} يعني: إبليس، فأوقع الواحد موقع الجميع {فيما آتاهما} من الولد إذ سمَّياه عبد الحارث، ولا ينبغي أن يكون عبداً إلاَّ لله، ولم تعرف حوَّاء أنَّه إبليس، ولم يكن هذا شركاً بالله، لأنَّهما لم يذهبا إلى أنَّ الحارث ربَّهما، لكنهما قصدا إلى أنَّه كان سبب نحاته، وتمَّ الكلام عند قوله: {آتاهما}، ثمَّ ذكر كفَّار مكة، فقال: {فتعالى الله عمَّا يشركون}.
{أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون} يريد: أيعبدون ما لا يقدر أن يخلق شيئاً وهم مخلوقون! عنى الأصنام.
{ولا يستطيعون لهم نصراً} لا تنصر مَنْ أطاعها {ولا أنفسهم ينصرون} ولا يدفعون عن أنفسهم مكروه مَنْ أرادهم بكسرٍ أو نحوه، ثمَّ خاطب المؤمنين.

.تفسير الآيات (193- 196):

{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)}
{وإن تدعوهم} يعني: المشركين {إلى الهدى لا يتبعوكم...} الآية.
{إنَّ الذين تدعون من دون الله} يعني: الأصنام {عباد} مملوكون مخلوقون {أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم} فاعبدوهم هل يثيبونكم أو يجازونكم!؟ {إن كنتم صادقين} أنَّ لكم عند الأصنام منفعةً، أو ثواباً، أو شفاعةً، ثمَّ بيَّن فضل الآدميِّ عليهم فقال: {ألهم أرجل يمشون بها} مشيَ بني آدم {أَمْ لهم أيدٍ يبطشون بها} يتناولون بها مثل بطش بني آدم {أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم} الذين تعبدون من دون الله {ثمَّ كيدون} أنتم وشركاؤكم {فلا تنظرون} لا تُمهلون واعجلوا في كيدي.
{إنَّ وليي الله} الذي يتولَّى حفظي ونصري {الذي نزل الكتاب} القرآن {وهو يتولى الصالحين} الذين لا يعدلون بالله شيئاً.

.تفسير الآيات (198- 202):

{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)}
{وتراهم ينظرون إليك} تحسبهم يرونك {وهم لا يبصرون} وذلك لأنَّ لها أعيناً مصنوعةً مركَّبةً بالجواهر، حتى يحسب الإِنسان أنَّها تنظر إليه.
{خذ العفو} اقبل الميسور من أخلاق النَّاس، ولا تستقصِ عليهم. وقيل: هو أن يعفو عمَّنْ ظلمه، ويصل مَنْ قطعه {وأمر بالعرف} المعروف الذي يعرف حسنه كلُّ أحدٍ. {وأعرض عن الجاهلين} لا تقابل السَّفيه بسفهه، فلمَّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يا ربِّ والغضب؟ فنزل: {وإمَّا ينزغنَّك من الشيطان نزغ} يعرض لك من الشيطان عارضٌ، ونالك منه أدنى وسوسة {فاستعذ بالله} اطلب النَّجاة من تلك البليَّة بالله {إنَّه سميع} لدعائك {عليم} عالمٌ بما عرض لك.
{إنَّ الذين اتقوا} يعني: المؤمنين {إذا مسَّهم} أصابهم {طيف من الشيطان} عارضٌ من وسوسته {تذكَّروا} استعاذوا بالله {فإذا هم مبصرون} مواقع خَطَئِهِمْ، فينزعون من مخالفة الله.
{وإخوانهم} يعني: الكفَّار، وهم إخوان الشَّياطين {يمدونهم} أَي: الشَّياطين يطوِّلون لهم الإِغواء والضَّلالة {ثم لا يقصرون} عن الضلالة ولا يبصرونها، كما أقصر المُتَّقي عنها حين أبصرها.

.تفسير الآيات (203- 206):

{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}
{وإذا لم تأتهم} يعني: أهل مكَّة {بآية} سألوكها {قالوا لولا اجتبيتها} اختلقتها وأنشأتها من قبل نفسك {قل إنما أتبع ما يوحى إليَّ من ربي} أَيْ: لستُ آتي بالآيات من قبل نفسي. {هذا} أَيْ: هذا القرآن الذي أتيتُ به {بصائر من ربكم} حججٌ ودلائلُ تعود إلى الحقِّ.
{وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} الآيةُ نزلت في تحريم الكلام في الصَّلاة، وكانوا يتكلَّمون في الصَّلاة في بدء الأمر. وقيل: نزلت في ترك الجهر بالقراءة وراء الإِمام. وقيل: نزلت في السُّكوت للخطبة، وقوله: {وأنصتوا} أَيْ: عمَّا يحرم من الكلام في الصَّلاة، أو عن رفع الصَّوت خلف الإِمام، أو اسكتوا لاستماع الخطبة.
{واذكر ربك في نفسك} يعني: القراءة في الصَّلاة {تضرُّعاً وخيفة} استكانةًَ لي وخوفاً من عذابي {ودون الجهر} دون الرَّفع {من القول بالغدو والآصال} بالبُكُر والعشيَّات. أُمر أن يقرأ في نفسه في صلاة الإِسرار، ودون الجهر فيما يرفع به الصَّوت {ولا تكن من الغافلين} الذين لا يقرؤون في صلاتهم.
{إنَّ الذين عند ربك} يعني: الملائكة، وهم بالقرب من رحمة الله {لا يستكبرون عن عبادته} أَيْ: هم مع منزلتهم ودرجتهم يعبدون الله. كأنَّه قيل: مَنْ هو أكبر منك أيُّها الإِنسان لا يستكبر عن عبادة الله {ويسبحونه} يُنزِّهونه عن السُّوء {وله يسجدون}.

.سورة الأنفال:

.تفسير الآيات (1- 2):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)}
{يسألونك عن الأنفال} الغنائم، لمَنْ هي؟ نزلت حين اختلفوا في غنائم بدر، فقال الشُّبان: هي لنا؛ لأنَّا باشرنا الحرب، وقالت الأشياخ: كنَّا ردءاً لكم؛ لأنَّا وقفنا في المصافِّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو انهزمتهم لانحزتم إلينا، فلا تذهبوا بالغنائم دوننا، فأنزل الله تعالى: {قل الأنفال لله والرسول} يضعها حيث يشاء من غير مشاركة فيها، فقسمها بينهم على السَّواء {فاتقوا الله} بطاعته واجتناب معاصية {وأصلحوا ذات بينكم} حقيقة وصلكم، أَيْ: لا تَخَالفوا {وأطيعوا الله ورسوله} سلِّموا لهما في الأنفال؛ فإنَّهما يحكمان فيها ما أرادا {إن كنتم مؤمنين} ثمَّ وصف المؤمنين فقال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} أَيْ: المؤمن الذي إذا خُوِّف بالله فرق قلبه، وانقاد لأمره {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} تصديقاً ويقيناً {وعلى ربهم يتوكلون} بالله يثقون لا يرجون غيره.

.تفسير الآيات (4- 6):

{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)}
{أولئك هم المؤمنون حقاً} صدقاً من غير شكٍّ، لا كإيمان المنافقين {لهم درجات عند ربهم} يعني: درجات الجنَّة {ومغفرة ورزق كريم} وهو رزق الجنَّة.
{كما أخرجك} أيْ: امض لأمر الله في الغنائم وإن كره بعضهم ذلك؛ لأنَّ الشُّبان أرادوا أن يستبدُّوا به، فقال الله تعالى: أعط مَنْ شئت وإن كرهوا، كما مضيت لأمر الله في الخروج وهم له كارهون. ومعنى {كما أخرجك ربُّك من بيتك} أمرك بالخروج من المدينة لعير قريش {بالحقِّ} بالوحي الذي أتاك به جبريل {وإنَّ فريقاً من المؤمنين لكارهون} الخروج معك كراهة الطَّبع لاحتمال المشقَّة؛ لأنَّهم علموا أنَّهم لا يظفرون بالعير دون القتال.
{يجادلونك في الحق بعد ما تبيَّن} في القتال بعد ما أُمرت به، وذلك أنَّهم خرجوا للعير، ولم يأخذوا أُهبة الحرب، فلمَّا أُمروا بحرب النَّفير شقَّ عليهم ذلك، فطلبوا الرُّخصة في ترك ذلك، فهو جدالهم {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} أَيْ: لشدَّة كراهيتهم للقاء القوم كأنَّهم يُساقون إلى الموت عياناً.

.تفسير الآيات (7- 15):

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)}
{وإذْ يعدكم الله إحدى الطائفتين} العير أو النَّفير {أنَّها لكم وتودون أنَّ غير ذات الشوكة تكون لكم} أَيْ: العير التي لا سلاح فيها تكون لكم {ويريد الله أن يحق الحق} يُظهره ويُعليَه {بكلماته} بِعِدَاتِه التي سبقت بظهور الإِسلام {ويقطع دابر الكافرين} آخر مَنْ بقي منهم. يعني: إنَّه إنَّما أمركم بحرب قريشٍ لهذا.
{ليحقَّ الحق} أَيْ: ويقطع دابر الكافرين ليُظهر الحقَّ ويُعليَه {ويبطل الباطل} ويُهلك الكفر ويُفنيه {ولو كره المجرمون} ذلك.
{إذ تستغيثون ربكم} تطلبون منه المعونة بالنَّصر على العدوِّ لقلَّتكم {فاستجاب لكم أني ممدُّكم بألفٍ من الملائكة مردفين} متتابعين، جاؤوا بعد المسلمين، ومَنْ فتح الدَّال أراد: بألفٍ أردف الله المسلمين بهم.
{وما جعله الله} أَيْ: الإِرداف {إلاَّ بشرى} الآية ماضية في سورة آل عمران.
{إذ يغشيكم النعاس أمنة منه} وذلك أنَّ الله تعالى أمَّنهم أمناً غشيهم النُّعاس معه، وهذا كما كان يوم أُحدٍ، وقد ذكرنا ذلك في سورة آل عمران. {وينُزِّل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} وذلك أنَّهم لمَّا بايتوا المشركين ببدرٍ أصابت جماعة منهم جنابات، وكان المشركون قد سبقوهم إلى الماء، فوسوس إليهم الشَّيطان، وقال لهم: كيف ترجون الظَّفر وقد غلبوكم على الماء؟ وأنتم تُصلُّون مُجنِبين ومُحدِثين، وتزعمون أنَّكم أولياء الله وفيكم نبيُّه؟ فأنزل الله تعالى مطراً سال منه الوادي حتى اغتسلوا، وزالت الوسوسة، فذلك قوله: {ليطهركم به} أَيْ: من الأحداث والجنابات {ويذهب عنكم رجز الشيطان} وسوسته التي تكسب عذاب الله {وليربط} به {على قلوبكم} باليقين والنَّصر {ويثبت به الأقدام} وذلك أنَّهم كانوا قد نزلوا على كثيبٍ تغوص فيه أرجلهم، فلبَّده المطر حتى ثبتت عليه الأقدام.
{إذ يوحي ربك إلى الملائكة} الذين أمدَّ بهم المسلمين {إني معكم} بالعون والنُّصرة {فثبتوا الذين آمنوا} بالتَّبشير بالنَّصر، وكان المَلَك يسير أمام الصَّف على صورة رجلٍ ويقول: أبشروا؛ فإنَّ الله ناصركم {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} الخوف من أوليائي {فاضربوا فوق الأعناق} أَيْ: الرُّؤوس {واضربوا منهم كلَّ بنان} أَيْ: الأطراف من اليدين والرِّجلين.
{ذلك} الضَّرب {بأنهم شاقوا الله ورسوله} باينوهما وخالفوهما.
{ذلكم} القتل والضَّرب ببدرٍ {فذوقوه وأنَّ للكافرين عذاب النار} بعدما نزل بهم من ضرب الأعناق.
{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً} مُجتمعين مُتدانين إليكم للقتال {فلا تولوهم الأدبار} لا تجعلوا ظهوركم ممَّا يليهم.

.تفسير الآيات (16- 23):

{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)}
{ومن يُوَلَّهِمْ يومئذٍ} أَيْ: يوم لقاء الكفَّار {دبره إلاَّ متحرِّفاً لقتال} مُنعطفاً مُستَطرداً يطلب العودة {أو متحيزاً} مُنضمَّاً {إلى فئة} لجماعةٍ يريدون العود إلى القتال {فقد باء بغضب من الله...} الآية. وأكثر المفسرين على أنَّ هذا الوعيد، إنَّما كان لمَنْ فرَّ يوم بدرٍ، وكان هذا خاصَّاً للمنهزم يوم بدرٍ.
{فلم تقتلوهم} يعني: يوم بدرٍ {ولكنَّ الله قتلهم} بتسبيبه ذلك، من المعونة عليهم وتشجيع القلب {وما رميت إذ رميت} وذلك أنَّ جبريل عليه السَّلام قال للنبيِّ عليه السَّلام يوم بدرٍ: خذ قبضةً من تراب فارمهم بها، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضةً من حصى الوادي، فرمى بها في وجوه القوم، فلم يبقَ مشركٌ إلاَّ دخل عينيه منها شيءٌ، وكان ذلك سبب هزيمتهم، فقال الله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكنَّ الله رمى} أَيْ: إنَّ كفَّاً من حصى لا يملأ عيون ذلك الجيش الكثير برمية بَشرٍ، ولكنَّ الله تعالى تولَّى إيصال ذلك إلى أبصارهم {وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً} وينعم عليهم نعمةً عظيمةً بالنَّصر والغنيمة فعل ذلك. {إنَّ الله سميع} لدعائهم {عليم} بنيَّاتهم.
{ذلكم وأنَّ الله موهن كيد الكافرين} يُهنِّئ رسوله بإيهانه كيد عدوِّه، حتى قُتلت جبابرتهم، وأُسِر أشرافهم.
{إن تستفتحوا} هذا خطابٌ للمشركين، وذلك أنَّ أبا جهلٍ قال يوم بدرٍ: اللَّهم انصر أفضل الدِّينَيْن، وأهدى الفئتين، فقال الله تعالى: {إن تستفتحوا} تستنصروا لأَهْدى الفئتين {فقد جاءكم الفتح} النَّصر {وإن تنتهوا} عن الشِّرك بالله {فهو خير لكم وإن تعودوا} لقتال محمَّدٍ {نعد} عليكم بالقتل والأسر {ولن تغني عنكم} تدفع عنكم {فئتكم} جماعتكم {شئياً ولو كثرت} في العدد {وأنَّ الله مع المؤمنين} فالنَّصر لهم.
{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه} لا تُعرضوا عنه بمخالفة أمره {وأنتم تسمعون} ما نزل من القرآن.
{ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا} سماع قابلٍ، وليسوا كذلك، يعني: المنافقين، وقيل: أراد المشركين؛ لأنَّهم سمعوا ولم يتفكَّروا فيما سمعوا، فكانوا بمنزلة مَنْ لم يسمع.
{إنَّ شرَّ الدواب عند الله الصمُّ البكم الذين لا يعقلون} يريد نفراً من المشركين كانوا صمَّاً عن الحقِّ، فلا يسمعونه، بُكماً عن التَّكلُّم به. بيَّن الله تعالى أنَّ هؤلاء شرُّ ما دبَّ على الأرض من الحيوان.
{ولو علم الله فيهم خيراً} لو علم أنَّهم يصلحون بما يُورده عليهم من حججه وآياته {لأسمعهم} إيَّاها سماع تفهمٍ {ولو أسمعهم} بعد أن علم أن لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك و{لتولوا وهم معرضون}.